ليس هنا إلا مقالا عن جوجلة فضولية لصاحب شركة U-tern ... منتجة برنامجي على الطاير و ايش اللي ...
في فبراير 2010 كان أنمار فتح الدين، طالب بكالوريوس الهندسة الصناعية بجامعة كونكورديا بمونتريال/كندا، يجوب مقاه ومجالس مدينة جدة ضمن جدولة مُحددة مع أطراف اعلامية وترفيهية يريد صنع تحالفات معها ضمن ترويجه -واختباره- لفكرته الجديدة كلياً وقتها على المستوى المحلي: قناة يوتيوب تحمل محتوى ثقافي ضمن قوالب ترفيهية!
أنمار (مواليد عام 1988) الذي كانت تسير حياته قبل ذلك ضمن مسار رتيب ومتوقع، كان مأخوذاً منذ بداياته بدعوات التفاعل والتثاقف الحضاري بين الثقافات والشعوب حد “ادمانه” على برامج قنوات ديسكفري وترافل. وكان يرى -في رؤية سبقت الآخرين- في فتوحات الاعلام التفاعلي من يوتيوب وفايسبوك فرصة هائلة لتنزيل اهتماماته في قوالب تفاعلية يُشرِك فيها قطاعات جماهيرية برسالته التنويرية في وحدة القيم الانسانية ضمن تنوع الثقافات.
لكنه ازاء التزامات الدراسة والتحصيل الأكاديمي ومجريات الواقع كان كمن يطارد حلماً لن يأتي.
بيد أن كتاباً قرأه يحكي قصة انشاء عملاق الانترنت؛ جووجل، أشعل في مخياله الحلم الكبير، حتى باتت فكرة اطلاق مشروعه تستحوذ على جل وقته واهتمامه. كان كمن أصابته حمى، وكان أصدقاءه كالذي يشفق عليه يبحثون معه عن ترياق لهوسه المتصاعد. نصحه أحد الأصدقاء المشتركين بالتعرف على عبدالله مندو، شاب عشريني آخر من جدة كان يدرس الإخراج في مونتريال، قد يحمل في جعبته الجوانب التقنية التي يفتّش عنها أنمار. رتب أنمار لقاءاً مع عبدالله بأحد مطاعم السوشي بمونتريال، وعند وصول الأخير باغته أنمار بشكل خاطف: “إسمي أنمار فتح الدين، وأريد أن أغيّر العالم.. هل تريد الانضمام اليّ؟”. بعد تلك الجملة السحرية، سيستحيل عبدالله رفيقاً لدرب أنمار وشريكاً مؤسساً ضمن آخرين، في أحد طلائع شركات الدوت كوم المحلية.
لكن المشروع بُذر بشكل مختلف تماماً. كانت فكرته لا تتعدى انتاج محتوى فيديو تفاعلي خاص بالإنترنت يوثّق مواطن المشترك الانساني بين الشعوب: أطلس للشعوب يشع من جدة، ويشمل مساحات المعمورة من طوكيو شرقاً، الى عواصم أمريكا الجنوبية غرباً.. حتى أن الاسم الذي وُضع لتلك الفكرة كان ثقيلاً وممجوجاً: (Tabula Rogeriana)؛ وهو اسم الخارطة التي وضعها الجغرافي العربي الإدريسي بالقرن الثاني عشر، كناية عن تواصل الشعوب.
لكن اجتماعات مطوّلة من مونتريال حيث أنمار وعبدالله، وعبر السكايب مع شركاء آخرين في جدة والشارقة، شذبت أهداف المشروع وبلورت رؤيته ورسالته بشكل وان بدا أقل تواضعاً، فقد كان أكثر تماسكاً وواقعية.
كانت الفكرة الجديدة تتلخص في اطلاق شركة قناة انترنت ترفد اليوتيوب بمحتوى ترفيهي محلي يتضمن رسائل اجتماعية وحضارية غير مباشرة. ضمت الشركة الى جانب أنمار وعبدالله، عمر مراد، فيما انسحب الشريك الرابع، واتفق ثلاثتهم على تسمية قناتهم: (U Turn). في لقاء دوري بمنتزه النخيل على كورنيش جدة، يجمع كهول ومخضرمي الاعلام والأدب والثقافة بالحجاز، يتقدمهم رئيس تحرير الجزيرة الأسبق، المُخضرم عبدالرحمن المعمّر، سُئل أنمار الذي كان يحضر لأول مرة عن أهداف شركته يوتيرن فأجاب بعفوية الحجازي ابن البلد التي تتلبسه، بعد أن نحى “ليّ” الشيشة جانباً: “يوتيرن هي شركة همّها تخلّي الناس يسوقوا زي الآوادم. ويفتحوا الباب للستاّت. ويبتسموا لبعض. ويجوا على الدوام في الوقت. وما يرموا زبايل من الشباك. والموظفين ما يرتشوا ولا يسرقوا.. ونبغى كل دا يصير عن طريق الترفيه”.
كان (البيزنس بلان) يفترض دخول مستثمر لانطلاق المشروع. تقدم الفريق بقيادة أنمار الى ثلاثة أطراف كلها أبدت رغبتها في الشراكة، وقدمت عروضها التي تفاوتت بحسب تقييمها الذاتي. كانت: شركة كلير للدعاية والاعلان، وشركة المصباح، ووكالة فُل ستوب للاعلان. ومن ضمن كافة العروض كان عرض فُل ستب هو الأكثر ملائمة والأنسب من حيث الشروط والخدمات اللوجستية والابداعية.
وفي الأول من شهر يوليو 2010، وفي أحد مقار الشركات الشقيقة لفُل ستوب بجدة، انطلقت شركة (U Turn)، بحصة كبرى
لقسورة الخطيب، مؤسس ورئيس شركة فُل ستوب، وحصص متفاوتة لأنمار وعبدالله وعمر. وتم توزيع المهام فعُين عبدالله مندو مُديراً عاماً، وعمر مراد مديرا للإنتاج، فيما تصدى أنمار فتح الدين لمهمة التسويق وخدمات العملاء. وفيما كان إياد مغازل، الذي انضم لتوه للعمل ضمن فريق فُل ستوب، وكان قبلها رائد الفلوجنج محليا بمقاطِعه ذائعة الصيت بيوتيوب، يعمل بشكل جوهري كمدير إبداعي ومخرج برامج للشركة الجديدة، كان من البديهي طرح نسبة شراكة له بيوتيرن اُقتطعت من أنصاب الشركاء الثلاثة الشبان، ليضحي اياد خامس -وآخر- الشركاء في مولود الدوت كوم الجديد.
انطلقت قناة (U Turn) رسمياً على اليوتيوب في سبتمبر 2010. وحقق برنامج على الطاير الذي يقدمه الموهوب عمر حسين، ويشاركه في تقديمه أحمد فتح الدين، ويشاركهما في اعداده ديما اخوان ولمى صبري، أكثر من نصف مليون مشاهدة بعد أول عرض له في سبتمبر 2010. كان ذلك فتحاً يستحق الاحتفاء.
لكن أنمار الذي كان قد عاد الى مونتريال لاستكمال دراسته بعد صيف مرهق تأسست فيه شركته الحلم، ستتفاقم مأساته الذاتية بين الرضوخ لمنطق ورتابة الصفوف الجامعية، وبين معترك (الأنتربنورشب) الساخن الذي باتت تتشكل ملامح نجاحه أمام أعينه عبر البحار. وفي قرار متوقع -وان صدر على مهل-، سيُعلق أنمار دراسته الجامعية للعودة الى جدة والانضمام للرفاق خصوصاً أن مَهمته تتعلق بسُبل خلق فرص الربحية (Monetizing) للبراند الجديد الذي خلقه هو ورِفاقه. كان أنمار لا يُخلص لحلمه وشغفه فحسب، بل يُخلص لوعي جديد يصعد في سماءات المنطقة العربية كلها.
أنمار، المتزوج من الشابة لمى اليماني، وله منها سادن، اضطر لترك حياة يعيشها في بحبوحة نسبية بكندا، مقابل القبول براتب 5 آلاف ريال بالشركة الجديدة، وان بمستقبل وفرص واعدة جداً. كان برنامج على الطايرقد وصل الى حلقته الخامسة وبات يجلب اعلانياً 50 ألف ريال في الحلقة الواحدة، فيما يجلب برنامج ايش اللي الذي بدأ بثه على اليوتيوب في مارس 2011 ما يقارب 25 ألف ريال في الحلقة الواحدة.
وفي مايو 2011، تقدمت مجموعة تلفزيون الشرق الأوسط (MBC) بعرض الى شركة يوتيرن للإستحواذ على 25% من الشركة مقابل 2.3 مليون ريال سعودي اضافة الى شروط ادارية وابداعية أخرى. كان قسورة الخطيب، الشريك الأكبر يميل مبدئياً الى التسييل، وكان قانونياً مخوّل بالانفراد بالقرار، لكنه سيستشير الشركاء الشبان الأربع، الذين رفضوا بالاجماع، مؤمنين في قدراتهم ومستشرفين للسوق الواعدة لجلب عروض سعرية أكبر ومن دون اشتراطات!
يلعب قسورة الخطيب، دوراً مُلهماً -ونبيلاً ومُشرّفاً- مع هؤلاء الشبان الأربعة. يصفه أنمار في جلساته الخاصة والعامة برجل الأعمال الشاطر جداً. “انه تاجر شاطر. مُلهم جداً. متكلم بارع جداً. وأكثر من ذلك كله هو مُحفز يدعمنا مادياً، ويتركنا نأخذ قرارتنا بأنفسنا حتى لو كان الثمن فادحاً من أخطائنا. انه يعاملنا بكل ندية فيما أعمارنا تقارب نصف عمره،” يقول أنمار: “انه يقدم لنا النصيحة وكل ما نحتاج اليه بحكم خبرته في السوق، وكذلك يعطي لشركتنا مصداقية إضافية”. كان قسورة الخطيب، الذي يتحدر من عائلة مكيّة عريقة لعبت أدواراً سياسية عريضة بالحجاز مطلع القرن الفائت، قد شهد “لحظته” الريادية بدوره، حيث كان أحد الشبان المحليين -الى جانب عيسى بوقري ومروان قطب وحسن الفضل وآخرين- الذين كسروا احتكار وكالات الاعلان العربية والدولية وأسسوا لوكالاتهم المحلية في جدة قبل أكثر من عقد صيتاً حسناً وقصص نجاح رائدة في المنطقة.
كان الاتجاه بعد رفض عرض الـ(MBC) يتجه نحو بيع جزء من الشركة لمستثمر صامت وبعطاء سعري أعلى، ليُمكّن (U Turn) من توسيع انتاجها وعملياتها، وبالتالي القدرة على جلب مُعلنين بشكل أكبر. هنا دخل الشيخ صالح التركي، وشركته نسما، بعرض سخي تجاوز الثلاثة ملايين ريال.
لكن عقداً اعلانياً سخياً وُقع قبل أيام بين (U Turn) واحدى شركات الاتصالات العملاقة لسنة كاملة ومقابل عائد مالي ضخم جداً، ألغى خيار بيع حصة من الشركة بحثاً عن سيولة. المعادلة الان نجحت والبراند بات يبيض ذهباً. وتستطيع القناة الآن -دون التنازل عن أي حصص- ان تُنتج ثلاثة برامج رئيسية في أوقات ثابتة وبجدولة صارمة.
بحسابات مُتحفظة سيصل الدخل السنوي لقناة (U Turn) من الاعلانات ابتداء من عام 2013 الى ما يقارب خمسة ملايين ريال سعودي. هذا لا يعني لأنمار الا شئ واحد: “انتاج حلقتين على الأقل أسبوعياً لكل برنامج.. أي ما يقارب 86 ساعة بث سنويا باليوتوب”.. ويعني للمشهد المحلي ولادة أولى شركات الدوت كوم الواعدة.
أنمار ورفاقه، لم يغيروا العالم، ولكنهم نجحوا بشكل ريادي في اطلاق – وترسيخ دعائم- قناة يوتيرن على اليوتيوب.
في محاضرة بيونيو 2010 ذكر عبدالرحمن طرابزوني، مدير شركة جوجل في المنطقة العربية، انه خلال عامين سنشهد ميلاد آول مليونير سعودي يستثمر الإنترنت لجني مليونه الأول.
المليونير الذي أعلن عنه الطرابزوني في نبوئته، ليس سوى أنمار فتح الدين ورفاقه في U Turn
لمحمود عبدالغني صباغ